عمرو بن العاص بن وائل السهمي، إسم شغل حيز واسع وعميق في تاريخ الإسلام، وقد استطاع أن يترك بصماته على صفحات التاريخ واضحة الآثار، أما بالنسبة إلي شخصية «عمرو» – رضي الله عنه – يكفي شهادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم، عندما قام «عمرو» بمدّ يده مبايعاً رسول الله ثم قبضها إليه، فقام الرسول بسؤالة عن سبب قيامه بهذا الفعل، فرد «عمرو» معتذراً عما كان منه من أذى وسوء بحق الإسلام والمسلمين، وكان رد الرسول عليه: إن الإسلام يَجُب ما قبله، وحينها بايع «عمر»، وعندما ولي عن المجلس قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد أسلم الناس وآمن «عمرو»، فأي شهاد أعظم وأرفع من هذه الشهادة!!!.
فتح مصر علي يد عمرو بن العاص
وعندما يُذكر فتح مصر، فلا يُنسي إسم «بن العاص»، بسبب ما بذله من جُهد وكفاح وصبر، حتي أتم الله علي يديه تطهير أرض الكنانة من رجس الروم وظلمهم لأهلها، علي مدي قرون طويلة.
ولم يتوقف الأمر بالنسبة إلي «عمرو» عند فتح أرض الكنانة فقط، ولكن الإمارة عليها أيضاً لمدة طويلة من الزمن، أمتدت لسنوات و سنوات، استطاع خلالها أن يكون بمثابة الإداري الناجح، والسياسي المتميز، إضافة إلي كونه الحاكم الصالح.
كما ذُكر عن أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب» قوله في «بن العاص» عندما أجتمع معه وناظره، وعندما أنصرف بن العاص، نظر بن الخطاب إليه وهو يمشي، وما فيها من قوة، وثبات، واعتداد، فقال: ما ينبغي لـ أبي عبد الله إلا أن يكون أميراً.
والآن سوف نبدأ مع رحلة حياة «عمرو» – رضي الله عنه، عبر موقعكم وموقعنا «تعقُب»، حيث سنقوم بذكر تاريخه، وما أحوجنا إلي ذلك الرجل في عصرنا هذا.
والد عمرو بن العاص
كان والده «العاص» ابن وائل السهمي، زعيماً لقومه «بني سهم»، وهم بطن من بطون «قريش» وفرع من فروعها، وكانوا أصحاب نفوذ وسلطان، وكانوا مسؤولين عن حل الإشكالات والخصومات، إضافة إلى فض النزاعات.
وكان والد عمرو، تاجراً ثرياً واسع الثراء، إضافة إلي أنه يتمتع بشخصية قوية، وهو ما جعل «بنو سهم» يقومون بتقديمه عليه، وإعطاءه الزعامة عليهم.
أُم عمرو بن العاص
أما بالنسبة إلي أم عمرو، أسمها هو «سلمى بنت حرملة»، وهي أيضاً من بني «عنزة»، وكانت تُلقب بإسم «النابغة».
ولأم عمر بن العاص قصة، حيث وقعت في إحدي الأيام في السَّبى، ثم بعدها بيعت في سوق «عكاظ» بـ «مكة المكرمة»، وقام بشراءها «الفاكه بن المغيرة»، وأشتراها منه «عبدالله بن جدعان»، ثم آلت إلي «العاص بن وائل»، وولدت له «عمراً».
قد يهمك: صلاة الاستخارة.. كيفية أداء الصلاة والدعاء المستحب بها.
نشأته عمرو بن العاص
عندما بدء «عمرو» في فتح عينيه، أصبح يعى علي جًّو من البحبوحة والثراء، لذا عُرف مُنذ نعومة أظافره، وسنى حياته الأولى بحدة الذهن، والذكاء وسرعة الخاطر، وحضور البديهة، وسعة الحيلة.
كما عرف بالجرأة والشجاعة والفروسية، وفي مطلع شبابه زاول مهنة التجارة التي كان يتعاطاها والده «العاص» فتعلم أُصولها وفنونها، واكتسب خبرة مع مرور الزمن رائداً في هذا الميدان.
عمرو بن العاص “الجزار”
وقد أشتهر عن «عمرو» بعد ذلك أنه كان جزاراً بـ «مكة» فمن أين تأتي له ذلك؟، وما السبب الذى جعله يمتهن هذه المهنة ووالده – كما هو معروف – تاجر ثرى، واسع الغنى؟!!.
ويُقال بأن «العاص» قد فقد كثيراً من ماله وثروته، وضيع معظمه على الإنفاق فى حل الخصومات، أضف إلى ذلك مُجُونه ولهوه.
وكان «عمرو» يرقب ذلك بأسى وحسرة ولا يستطيع دفع الأذى!!، من هنا كانت اهرة حبه للمال التي رافقته طوال حياته المديدة، سواء فى الجاهلية أو الإسلام، والتى عرفها كل الذين عايشوه ورافقوه.
ومن هنا أيضاً كان اضطراره لمزاولة مهنة الجزارة، طلباً للكسب، وعلى الرغم من كل ذلك، فقد ظلت في طبع «عمرو» خصلة أساسية لم تفارقه أبداً، وهي نزوعه إلى النباهة والسيادة، تتجلى فيما كان عليه من المهابة والحضور والمظهر أيضاً.
“عمرو” والإسلام
ما كاد «عمرو» يبلغ مرحلة الشباب والفتوة حتى تزوج، وكان زواجه كما هو مشهور مبكراً، حتى قيل بأن فارق السن بينه وبين ولده البكر «عبدالله» اثنتا عشر سنة فقط.
ونحن لا نأخذ بالمبالغة، ولكنا لا نستبعد ضآلة الفرق بين الأب وابنه في السن، وكانت أم عبدالله «ريطة بنت منبه بن الحجاج السَّهمى»، ثم أشرق نور الإسلام على الدنيا ببعثة «محمد بن عبد الله» – عليه افضل الصلاة والسلام.
وكان «بن العاص» واحداً من الزعامات التقليدية في «قريش» التي أبت واستكبرت وحجمت، ولم تذعن للحق والهدى، وظلت على ولائها للأوثان.
وعندما اشتدت وطأة العذاب على المؤمنين من الكافرين، بالحبس والضرب والقتل، أذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم، لطائفة من أصحابه وأتباعه بالهجرة إلى الحبشة ليكونوا في حمى «النجاشي» ملكها، بعيداً عن الفتنة والأذى.
وقد برز إسم «بن العاص»، حيث اجتمع الرهط فى «قريش» في دار الندوة يتشاورون فيما يفعلونه بهؤلاء المسلمين الذين لجأوا إلى الحبشة، وكيف الطريق إلى إفساد مقامهم عليهم، وكان من بين الحضور «عمرو»، وقد أقترح الحاضرين في المجلس، أن يذهب وفد من قريش إلى «النجاشي» بالهدايا التي يحبها، من أجل طرد المسلمين من بلاده.
وتم الاستقرار على اختيار «عمرو» بالإضافة إلى شخص أخر يدعى «عمارة بن الوليد» لهذه المهمة والذهاب إلى الملك النجاشي، وذلك بسبب ما كان بين عمرو والنجاشي، من صلة ومعرفة بحكم التجارة بينهم، إضافة إلى الحيلة والدهاء التى كانت من أبرز صفاته.
تابع أيضاً: تفسير النظارة في الحلم للمتزوجة و للحامل والعزباء.
عمرو بن العاص عند “النجاشى”
سافر «عمرو» إلى النجاشي الهدايا التي يحبها، وعندما وصل ذهب في البداية إلى «البطارقة»، وقام بتقديم العديد من الهدايا لهم، وشرح لهم مهمته التى جاء من أجلها، وحصل من على التأييد والنصرة.
وعندما دخل «عمرو» علي النجاشي، وقد سر بشدة بسبب الهدايا الكثيرة التى أحضرها إليه، وقام بذكر قصة نبوة «محمد – عليه أفضل الصلاة والسلام»، وكيف تسبب هذه النبوة في إفساد معتقدات العرب فى آلهتهم، والتفرقة بين الناس.
وذكر له أن جماعه من أتباع «محمد» قد لجأوا إلى الحبشة وأقاموا فيها، وأخبره بأن «قريش»، ترغب فى إعادتهم إليها لينالوا جزاءهم وعقابهم.
ولكن «النجاشي» رفض أن يدلى بقراره الأخير، قبل أن يستمع إلي الطرف الأخر وهم المسلمين، فقام باستدعاء إليه، وكان «جعفر بن أبى طالب» – رضى الله عنه – المُتحدث بإسم المسلمين.
وعندما بدء «جعفر بن ابي طالب» بالحديث عن عقيدة التوحيد، بالإضافة إلى الفساد الإجتماعى الجاهلى، وهو ما جعل الملك «النجاشي» يربأ بنفسه أن يسلم هؤلاء الأبرار الأطهار إلى أيدى الكفرة الأشرار، من أهل الوثنية وأرباب الفساد والطغيان.
وعندما وجد «عمرو» نفسه قليل الحيله في محاولة إقناع النجاشي، بالعدول عن قراره، فخطرت بذهنه فكرة، وذهب إلى أصحابه من البطارقة، وأخبرهم بأن «محمد» – عليه افضل الصلاة والسلام، يقول في «عيسى» – عليه السلام، قولاً فظيعاً، وإنه يقول إنه عبد الله، ولا يزيد على أن يكون نبياً مثله، فضجوا بشدة، وذهبوا معه إلي «النجاشي»، وعندما أخبروه بما يقوله نبي المسلمين في حق نبيهم، عندها غضب الملك بشدة، وقام باستدعاء المسلمين.
وعندما حضر «جعفر بن أبي طالب» إلى الملك، سأله عما يقوله «محمد» – عليه الصلاة والسلام، في «عيسى» – عليه السلام، فأجاب «جعفر» بأن هذا قول الله الله تعالى، فتلا عليه صدراً من سورة «مريم».
وأعجب «النجاشي» بشدة بما سمعه، وأخذ يستمع بتمعن وخشوع كبير، وعندما انتهى «جعفر» من قراءة أيات من سورة مريم، وقال: «والله إن هذا الذى جاء به صاحبكم والذي جاء به (عيسى) ليخرج من مشكاة واحدة، ولن يستنكف (عيسي) أن يكون عبداً لله تعالى».
وقام الملك «النجاشي» بإعطاء المسلمين ميثاقاً على مقامهم، ورد «بن العاص» عن طلبه، وعاد إلى «مكة المكرمة» خالي الوفاض، ولم تنجح مكيدة الكافرين ولا دهاء «عمرو» في إيقاهم في شركهم.
قد يعجبك أيضاً: تفسير اكل اللحم في المنام للرجل والمرأة.
اسلام عمرو بن العاص
ظل «عمرو» على موقفة من الإسلام والمسلمين لفترة طويلة من الزمن، على الرغم من إسلام ولده «عبد الله»، ولكنه لم يبال بما حدث، وظل على ولائه لجاهليته.
وقد أرجح البعض إلى أن اعتداده بأبيه «العاص»، كان له دخل كبير في تأخر دخول «عمرو» إلى الإسلام، وعند وفاة والده تحررت نفسيته من هذه العقيدة.
ولكنه في النهاية بايع النبي (محمد) – عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد روى عن رسول الله عقب انصراف «بن العاص» بعد مبايعته للنبي قوله عليه السلام «أسلم الناس وآمن (عمرو)».
والآن وصلنا إلى نهاية مقالنا اليوم، وعرضنا لكم خلاله قصة اسلام عمرو بن العاص ونشأته، متمنين من الله عز وجل أن نكون قد وفقاً فقد سرد التفاصيل إليكم، من مصادر ومراجع موثوق منها، ويسعدنا دائماً تواصلكم معنا في التعليقات أسفل المقال، عبر موقعكم وموقعنا «تعقب | معلومات فيمة تثق بها»، وسوف نتواصل معكم في مقالات تاليه مُتعلقة بـ (فاتح مصر) – بن العاص – رضى الله عنهُ.