كان بعض الرجال يقف في طريق إبنته ليحول بينها بين الزواج، ويقصد من وراء هذا المنع الذي عبر عنه القرأن «بالعضل»، أن يحرمها من حقها في الميراث، خشية أن تذهب به إلي زوجها في المستقبل بعد وفاته، أو يمتد طمعه غلي أكثر من هذا، فهو يريد من إبنته التي توفي عنها زوجها، والتي أعطاها الإسلام حق التزوج بمن تشاء إذا رغبت في الزواج، أن تتنازل له عن قدر من صداقها، حتي يأذن لها، فجاء الإسلام ليبطل هذا السلوم المرذول، فقال تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ – سورة النساء (19)».
ماذا يقصد بـ «تحريم العضل» في الإسلام
قال ابن عباس ومجاهد وغيرها: كان الرجل يطلق المرأة فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ضراراً لئلا تذهب غلي غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة يراجعها، لتطول عليها العدة.
وهذا من أقبح العضل، عضل الرجل لامراته، حيث يطول عليها العدة ضراراً، فتعتد بثلاث عدد بدل عدة واحدة، وهو حرام، وإليه الإشارة بقولة تعالي: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ – سورة البقرة (232)».
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له أن يتزوجها، وتريد المرأة ذلك، فيمنعها أولياؤها من ذلك فنهى الله أن يمنعوها.
تابع أيضاً: المرأة في الإسلام «التعظيم والتكريم».
وروي الترمذي بسنده عن معقل بن يسار: إنه زوج أخته رجلاً من المسلمين علي عهد رسول الله ﷺ، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتي انقضت عدتها، فهويها وهويته، ثم خطبها مع الخطاب، فقال له: يالكع ابن لكع أكرمتك بها وزوجتها لك فطلقتها، والله لا ترجع إليك ابداً، قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلي بعلها، فأنزل الله: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ – سورة البقرة (232)»، إلي قوله «وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ – سورة البقرة (232)»، فلما سرحها معقل، قال: سمعاً لربي وطاعة، ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك، و زاد ابن مردويه: «وكفرت عن يميني».
توضيح: أخي المسلم إن الطلاق تلابسه حالات من الضيق والغضب والشعور بالألم سواء من جهة الرجل المطلق أو المرأة المطلقة.
قد يهمك أيضاً: حق ميراث المرأة في الإسلام.
وقد تؤدي هذه الملابسات إلي حرص كل من الزوجين على الكيد لصاحبه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن ذلك عضل الرجل للمرأة زوجاً بتطويل العدة، أو ولي أمر بامتناعه عن تزويجها ثانياً لمن سبق تطليقه لها، فجاء القرأن الكريم فحرم العضل بكل صورة وأشكاله، ولقد كانت المرأة في الجاهلية تلاقي من العنف ما يتفق وغلظ الجاهلية وانحرافها.
كما كانت تلقي هذا العنت طفلة توأد في بعض الأحيان، أو تعيش في هون ومشقة وإذلال، وكانت تلقاه زوجة، هي قطعة من المتاع للرجل، أغلي منها الناقة والفرس، وأعز، وكانت تلقاه مطلقة، تعضل فتمتع من الزواج حتى يسمح مطلقها ويأذن، أو يعضلها أهلها دون العودة إلي مطلقها، إن أرادا أن يتراجعا، وكانت النظرة إليها بصفة عامة نظرة هابطة زرية.
فجاء القرأن فرفع من مكانتها، وأعلي من شأنها، وقرر لها من الحقوق والواجبات مثل ما عليها، قال تعالي: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ – سورة البقرة (228)».
وهناك نوع ثالث من العضل للمرأة فنهي الإسلام عنه كذلك، قال تعالي: «وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ – سورة النساء (19)»، فقد كان بعضهم في الجاهلية اذا مات الرجل منهم، فأولياؤة أحق بامرأته، يرثوها كما يرثون سائر متاعه، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها أخذوا مهرها، وإن شاءوا عضلوها وأمسكوها في البيت دون تزويج حتي تفتدي نفسها بشئ.
قد يعجبك أيضاً: حقوق المرأة في الإسلام «بنتاً – زوجة – أماً».
وكان بعضهم يطلق المرأة، ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتي تفتدي نفسها منه بما كان قد أعطاها كله أو بعضه، وهكذا تتعدد صور عضل المرأة، مرة يعضلها زوجها بمراجعتها كلما قرب انقضاء عدتها، تطويلاً للعده عليها، ومرة يعضلها ولي أمرها، بمنعها من الزواج ثانية بزوجها الذي سبق تطليقه لها، ومرة يعضلها ورثة زوجها بامساكها في البيت دون تزويج حتى تفتدي نفسها بشئ، ورابعة يعضلها مطلقها الذي يشترط عليها لتطليقها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي نفسها منه بما كان أعطاها كله أو بعضه.